القائمة الرئيسية

الصفحات

 

إنما هي أرزاق! أدهم شرقاوي


قِيل للأصمعيِّ: لماذا لا تَقول الشِّعر؟
فقالَ: الذي أُريده لا يُواتيني، والذي يُواتيني لا أُريده، أنا كالمِسَنِّ أشحذُ ولا أقطع!
 
ويُقالُ أنَّ القول للخليل بن أحمد الفراهيدي واضع علمِ العَروض، وإنْ صحَّ هذا فإنه أعجب! الرجلُ الذي فكَّ طلاسمَ الأوزان، وكشفَ قانونَ موسيقاها، ما كان يقرضُ الشعر!
 
ما أُريدُ قوله أنَّ الله تعالى إنما يفتحُ على عبده باباً من أبوابِ العلم، ويُغلقُ عليه آخر، ذلك لأنَّ العلوم والمواهب هي أرزاق كالخبزِ تماماً!
 
ومن أعجبِ ما قرأتُ في هذا الباب، شيءٌ في ترجمةِ الإمامِ الذهبيِّ في سِيَرِ أعلامِ النُبلاءِ لسيبويه، حيثُ قالَ عنه:
كانَ مع فرطِ ذكائه وعبقريته فيه حُبسة في لسانه، وانطلاقة في قلمه!
 
تخيَّلوا معي هذا المشهد، سيبويه معجزةُ النَّحوِ العربي، وصاحبُ الكتابِ الشهيرِ "الكتاب" الذي كان النُّحاةُ يُسمونه قرآن النَّحو، كانَ إذا كتبَ على الورقِ انسالَ قلمه كأنه الغيم استدبَرَتْها الريحُ لشدةِ تمكُّنه وعلمه، ولكنه إذا أرادَ أن يُعبِّرَ شفاهاً لم يُطاوعه لسانه كما يُطاوعه قلمه!
 
وكانَ أميرُ الشعراء أحمد شوقي لا يُحسنُ إلقاء قصائده، وكان يدفعُ بها إلى من يُلقيها عنه! الرجلُ الذي اعترفَ الشعراء بشعره، حتى بايعوه بإمارته، يوم قالَ له حافظ إبراهيم:
أمير القوافي قد أتيتُ مُبايِعاً
وهذي وفود الشرق قد بايعتْ معي
 
لم يكُن يُجيد إلقاء شعره، إلى هذه الدرجةِ يفتحُ الله على عبدٍ باباً، ويُغلقُ له آخر!
فانظُرْ إلى الباب الذي فُتِحَ لك، ادخله من مصراعيه، وتوغَّلْ فيه عميقاً، أما إذا ما أُغلقَ في وجهكَ فلا تُطِل التأسف عليه، هي أرزاقٌ يا صديقي، والرضى فيها مطلب!
 
أنت الان في اول موضوع

تعليقات